ناقش قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بغداد، يوم الاثنين الموافق 7 تموز 2025، أطروحة الدكتوراه الموسومة “الصراع السياسي بين التحفيز والارتكاس التنموي – دراسة ميدانية (الأنبار – الموصل – كربلاء – البصرة)”، للباحث محمد برهان مهدي صالح الجنابي، وذلك على قاعة مدني صالح، بحضور عدد من الأساتذة والباحثين المختصين في مجالات الاجتماع السياسي والتنمية.
الاهداف:
هدفت الدراسة إلى استكشاف السياسات التي تعتمدها النخب السياسية لتحويل الصراع السياسي إلى عامل محفز للتنمية بدلاً من أن يكون معيقًا لها، كما سعت إلى فهم العوامل البنيوية والسياسية المؤدية إلى تفاقم الصراعات داخل المشهد العراقي، وتحليل آثار هذه الصراعات على مسارات التنمية والعدالة الاجتماعية. كما انصبت أهداف الأطروحة على رصد أبرز التداعيات المجتمعية للصراع، وتقييم واقع العدالة في توزيع الموارد، ومدى كفاءة السياسات المتبعة في إعادة تأهيل مجتمعات ما بعد النزاع، مع التركيز على محافظات الأنبار، الموصل، كربلاء، والبصرة.
النتائج:
ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها الأطروحة أيضًا أن هناك غيابًا واضحًا لبرامج العدالة التنموية، وأن التفاوت في توزيع الموارد ساهم في شعور المناطق المحرومة بالتهميش، مما زاد من احتمالات الانزلاق نحو الصراع. كما بيّنت الدراسة أن المجتمعات المتأثرة بالصراع ما تزال تعاني من ضعف إعادة الإعمار، ومن شحّ المبادرات التي تسهم في خلق فرص اقتصادية تُجنّب الشباب الانخراط في مشاريع العنف السياسي.
قدّم الباحث ثلاث استراتيجيات مترابطة للحد من مخاطر الصراع السياسي وتحويله إلى محفز تنموي. تضمنت الاستراتيجية الأولى بعدًا أمنيًا يركز على بناء أجهزة أمنية وطنية محايدة ومهنية، تُسهم في حفظ الاستقرار ومنع عسكرة الخلافات، عبر إصلاح هيكلي داخل مؤسسات الدفاع والداخلية والاستخبارات، مدعومًا بتعاون إقليمي ودولي يضمن ضبط الحدود والاستفادة من خبرات المنظمات الأممية في نزع السلاح والمصالحة. أما الاستراتيجية الثانية فكانت ذات طابع مجتمعي، تقوم على ترسيخ ذاكرة موحدة ضد الصراع عبر فعاليات وطنية ومبادرات توعوية، وتشجيع الاقتصاد المجتمعي والتكافل الاجتماعي، إضافة إلى تطوير خطاب ديني معتدل داعم للسلم الأهلي، بالشراكة بين رجال الدين والمؤسسات المدنية. أما الاستراتيجية الثالثة فكانت تنموية بامتياز، وركّزت على ضمان عدالة تنموية شاملة ومتوازنة، من خلال إطلاق برامج وطنية تنموية تستهدف المناطق المحرومة، وتشجيع الاقتصاد المحلي، وإشراك المجتمعات المحلية في عمليات الإعمار بما يعزز الشفافية ويمنع التوظيف السياسي لملف الإعمار.
التوصيات:
وفي ضوء هذه النتائج، أوصت الدراسة بعدد من التوصيات المهمة، من أبرزها ضرورة تبني سياسات وطنية مستدامة لإدارة الصراع السياسي بعيدًا عن العنف، والعمل على بناء منظومة أمنية مهنية تُدار على أسس وطنية لا حزبية، وتفعيل برامج العدالة التنموية التي تضمن توزيعًا منصفًا للموارد بين المحافظات العراقية. كما أوصت الأطروحة بإدماج مفاهيم السلم المجتمعي والتنمية في المناهج الدراسية الجامعية، وتعزيز دور الإعلام في صناعة رأي عام مساند للاستقرار. وشددت التوصيات أيضًا على أهمية تنشيط الاقتصاد المحلي في المناطق الهشة، وإنشاء صناديق دعم تنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، فضلًا عن ضرورة أن تكون عمليات الإعمار نابعة من حاجات المجتمعات لا من أجندات سياسية، لضمان تحوّل الإعمار إلى فرصة لبناء السلام لا وسيلة لتعميق الانقسام.