شهد قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة بغداد مناقشة أطروحة الدكتوراه الموسومة “الانتشار الحضاري لثقافة العصر الحجري الحديث – زاكروس إنموذجاً”، والتي تقدّم بها الباحث “عادل فائق رشيد”،وذلك صباح يوم الأربعاء الموافق الخامس والعشرين من حزيران 2025، على قاعة الأستاذ الدكتور مدني صالح. وتأتي هذه الدراسة ضمن سياق الجهود الأكاديمية الرامية إلى إعادة فهم التحولات الثقافية الكبرى في عصور ما قبل التاريخ، وتحديداً في المنطقة الممتدة بين بلاد الأناضول وبلاد الرافدين وإيران.
الأهداف:
سعت الأطروحة إلى تحقيق عدد من الأهداف العلمية، من أبرزها: توضيح البنية الزمانية والمكانية لثقافة العصر الحجري الحديث بدوريه ما قبل الفخاري والفخاري، وتحليل طبيعة العلاقات التجارية والثقافية التي نشأت بين مواقع هذه الحقبة. كما هدفت إلى مناقشة الفرضيات المتعلقة بنشأة هذه الثقافة، ودراسة أثر المناخ والعوامل الطبيعية والبشرية في تسهيل الانتقال الحضاري. وشملت الأهداف أيضاً الكشف عن السمات العامة للعصر الحجري الحديث، ولا سيما الزراعة، التدجين، وأنماط الاستيطان، وتحليل الخصائص الجغرافية والجيولوجية لمنطقة زاكروس بوصفها الحاضنة الأولى لهذا التحول.
النتائج:
وقد توصلت الدراسة إلى نتائج مهمة، كان أبرزها أن منطقة زاكروس – بسلاسلها الجبلية الممتدة بين تركيا والعراق وإيران – شكّلت بيئة مثالية لظهور وانتشار ثقافة العصر الحجري الحديث، حيث شهدت هذه المنطقة نشوء القرى الزراعية الأولى وزراعة الحبوب وتدجين الحيوانات، الأمر الذي مكّن الإنسان من الاستقرار وبناء نمط حياة جديد. وأثبتت الدراسة أن مجموعات الصيادين كانت تلعب دوراً حيوياً في نقل الأفكار والعادات والتقاليد، وأن المسارات التجارية القديمة ساهمت في انتشار الأدوات الحجرية والفخاريات والأنماط المعمارية بين مواقع زاكروس المختلفة. كذلك أظهرت النتائج أن ما يُعرف بـ”فخار زاكروس القياسي” مثّل نمطاً مشتركاً امتد عبر المواقع رغم الفروقات المحلية، مما يشير إلى وجود شبكة ثقافية متداخلة ذات خصائص صناعية وروحانية متشابهة.
التوصيات:
ومن التوصيات التي خلصت إليها الأطروحة ضرورة إعادة دراسة خرائط الانتشار الحضاري في ضوء المعطيات الحديثة التي توفرها الحفريات الجديدة والتحليلات الجيومكانية، وتوسيع نطاق البحث الأثري ليشمل مناطق لم تُدرس بعد بصورة كافية في القسم الشرقي من زاكروس. وأوصى الباحث بربط نتائج الدراسات الأثرية بالمناخ القديم والبيئة الطبيعية لفهم ديناميكيات الاستقرار الزراعي المبكر، ودعا إلى تصنيف جديد لمراحل العصر الحجري الحديث في المنطقة اعتماداً على الفخار والأنماط المعمارية والدفنية المتنقلة بين المواقع، مع أهمية دعم هذا التوجه بتقنيات التأريخ الحديثة.
