ناقش قسم علم الاجتماع في كلية الاداب جامعة بغداد رسالة طالب الدبلوم العالي المعادل للماجستير في التأهيل المجتمعي وبناء السلام الموسومة “رأس المال البشري وتحديات السلم المجتمعي في العراق: دراسة اجتماعية ميدانية في مدينة بغداد” للطالب مصعب صالح كاظم

الاهداف:
هدفت الدراسة إلى التعرف على مفهوم رأس المال البشري ومفهوم السلم المجتمعي، والاطلاع على واقع رأس المال البشري في العراق، فضلاً عن تشخيص تحديات السلم المجتمعي ضمن الواقع العراقي، وتحليل العلاقة المتبادلة بين رأس المال البشري- السلم المجتمعي في المجتمع العراقي، وقد وضعت الدراسة مجموعة من التساؤلات، هي: إلى أي مقدار يمكن اعتبار تنمية رأس المال البشري أداة فاعلة في الحد من تحديات السلم المجتمعي في العراق؟ وما طبيعة العلاقة التبادلية بين تنمية الموارد البشرية وتحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار الأهلي؟ وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تسهم في تطوير الحقل المعرفي المتعلق بعلم الاجتماع التنموي، عن طريق تقديم إطار تحليلي للعلاقة بين رأس المال البشري والسلم المجتمعي. وتبرز قيمة نظرية التحديث كمنظور تفسيري يربط بين التنمية البشرية وبناء المجتمعات الحديثة القائمة على المواطنة والمساواة والعدالة، وتكتسب الدراسة أهميتها كذلك من سياقها الزمني والاجتماعي، إذ يواجه العراق اليوم تحولات سياسية واقتصادية عميقة، وسط محاولات لمعالجة البطالة، والفقر، ومخيمات النازحين، مما يجعل من معالجة تحديات السلم المجتمعي أولوية وطنية. وتأتي في ظل التوجهات الحكومية والدولية نحو تنفيذ خطط التنمية المستدامة 2030، والتي تُعد تنمية الإنسان أحد أهدافها الأساسية.
ولتحقيق ذلك قُسمت هذه الدراسة إلى بابين رئيسين هما: الباب الأول (الجانب النظري) وتضمّن ثلاثة فصول، أما الباب الثاني (الجانب الميداني) فتضمن ثلاثة فصول كذلك.

توصلت الدراسة الى العديد من التوصيات والنتائج ابرزها:
وتعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية التحليلية التي إعتمد فيها الباحث منهج المسح الاجتماعي بطرقة العينة القصدية، على وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتخطيط، وجرى استعمال أداتي جمع للبيانات والمعلومات متمثلة بالإستبانة، والمقابلة الميدانية مع أفراد عينة الدراسة، إذ بلغ عددهم (200) مبحوثاً، وعولجت البيانات الإحصائية عن طريق برنامج (SPSS) لغرض تفريغها، فضلاً عن ذلك فقد استعمل الباحث منهج المسح الاجتماعي بطريقة العينة لتفسير نتائج المقابلة بطريقة الأسئلة المفتوحة. وتوصلت الدراسة إلى نتائج عدة، أهمها:
الفرضية الأولى (التعليم والسلم المجتمعي):
وُجدت علاقة ذات دلالة إحصائية قوية (χ² = 106.580، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.76)، مما أدى إلى رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة؛ أي: أن تحسين التعليم
يعزز السلم المجتمعي.
الفرضية الثانية (الصحة والاستقرار):
أظهرت النتائج علاقة معنوية واضحة (χ² = 116.520، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.81)؛ لذا جرى رفض الفرضية الصفرية، مما يؤكد أن تحسين الصحة الجسدية والنفسية يقلل التوتر المجتمعي
ويعزز الإستقرار.
الفرضية الثالثة (الخبرات والسلم المجتمعي):
كانت هناك علاقة ذات دلالة إحصائية (χ² = 44.180، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.68)، ما يعني رفض الفرضية الصفرية؛ أي: إن تراكم الخبرات يدعم السلم المجتمعي.
الفرضية الرابعة (المهارات التقنية والفجوات الاجتماعية):
جرى التوصل إلى علاقة قوية (χ² = 60.000، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.73)، مما استوجب رفض الفرضية الصفرية وقبول وجود علاقة بين المهارات الحديثة وتعزيز الاستقرار وتقليل الفجوات.
الفرضية الخامسة (المرونة في الأزمات والسلم المجتمعي):
النتائج كشفت عن علاقة واضحة (χ² = 89.800، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.79)، وبناءً عليه رُفضت الفرضية الصفرية، وأكد أن التكيف والمرونة يعززان ثقافة السلم المجتمعي.
الفرضية السادسة (العمل الجماعي والتواصل والاستقرار):
سجلت الفرضية أقوى علاقة (χ² = 128.200، Sig = 0.05 ، Spearman = 0.84)، مما أدى إلى رفض الفرضية الصفرية وقبول الفرضية البديلة بأن التواصل والعمل الجماعي يعززان الروابط والاستقرار المجتمعي.

التوصيات:
إلى وزارة التخطيط العراقية:
ضرورة تضمين مكوّن “رأس المال البشري” كمحور مستقل في جميع استراتيجيات التنمية الوطنية وخططها، وربطه بمؤشرات السلم المجتمعي والعدالة الاجتماعية في العراق.
واعتماد آليات تنسيق فعّالة بين الوزارات والمؤسسات المعنية لتفادي التكرار وتعزيز التكامل في برامج تطوير الموارد البشرية.
إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي:
مراجعة وتحديث المناهج الدراسية في الجامعات والمعاهد التقنية لتتماشى مع متطلبات سوق العمل والتنمية المستدامة.
ودعم مشاريع التعليم المستمر والتدريب مدى الحياة لجميع الفئات، ولا سيما الفئات المهمشة والمناطق الطرفية.

إلى وزارة التربية:
تعزيز دور التربية في نشر ثقافة السلام والتسامح ضمن المناهج، ودمج مفاهيم المواطنة الفاعلة، والتعايش، واحترام التنوع ضمن البرامج التعليمية.
وإدخال المهارات الحياتية والتواصل الاجتماعي كجزء أساسي من العملية التعليمية منذ المراحل الأولى.

إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية:
تبني برامج وطنية لتدريب وتأهيل العاطلين عن العمل والفئات الأقل حظاً، وربطها بمشاريع تنموية حقيقية في القطاعين العام والخاص.
ودعم مراكز التدريب المهني في المحافظات وربط مخرجاتها بخطط إعادة الإعمار والتنمية المحلية.
إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء:
إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لتعزيز التنسيق البيني والتقليل من البيروقراطية التي تُعيق تنفيذ برامج رأس المال البشري.
كذلك إطلاق استراتيجية شاملة لتطوير الكوادر الوظيفية، تُبنى على معايير الكفاءة والاستحقاق لا على الولاءات السياسية أو الطائفية.
إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية:
مراقبة آليات تمويل برامج التدريب والتأهيل وتوزيعها في المؤسسات الحكومية لضمان النزاهة والفعالية.
وأهمية محاربة الفساد الإداري الذي يُعد من أبرز المعيقات في تنمية رأس المال البشري، وتعزيز مبادئ الشفافية والمسؤولية المؤسسية.
إلى رئاسة مجلس الوزراء – دائرة تمكين المرأة:
تبني سياسات تمكينية لرفع مشاركة المرأة في برامج التدريب والتطوير القيادي، كجزء من العدالة في تنمية رأس المال البشري.
دعم المبادرات المجتمعية التي تعزز مشاركة النساء في بناء السلام والتنمية المحلية.
8- إلى هيئة الإعلام والاتصالات:
إطلاق حملات توعوية وطنية حول أهمية رأس المال البشري في التنمية والسلام الاجتماعي، بمشاركة الأكاديميين والقيادات المجتمعية.
توظيف وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة العمل الجماعي والمهارات الرقمية وتقدير الكفاءات.
مقترحات الدراسة
تقترح الدراسة العناوين الآتية كدراسات مستقبلية والبحث بهذا النوع من الدراسات لتعزيز نتائج الدراسة الحالية:
“أثر التعليم المستمر والمهارات الرقمية في تعزيز التماسك المجتمعي في العراق: دراسة ميدانية في مؤسسات الدولة”.
“دور التنسيق المؤسسي في تعزيز فاعلية برامج رأس المال البشري لتحقيق التنمية المستدامة”.
“رأس المال البشري كمدخل لمواجهة النزاعات الطائفية والإثنية في العراق”.
“أثر تطوير المناهج التعليمية والتقنية في تقليل البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية في العراق”.
“المهارات الحياتية كأداة لبناء السلم المجتمعي في البيئات الهشة: تحليل سوسيولوجي”.
الحوكمة والتنسيق بين مؤسسات الدولة ودورهما في تفعيل رأس المال البشري العراقي”.
“الاستثمار في الصحة النفسية والجسدية كرافعة للسلم المجتمعي: منظور تنموي”.
“تأثير السياسات التوظيفية القائمة على المحاصصة على كفاءة رأس المال البشري في العراق”.

Comments are disabled.