ناقش قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بغداد، في قاعة ابن سينا جلسة مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الباحث محمد كاظم وحيد، والتي جاءت تحت عنوان “المخاطر الاجتماعية في عصر التسليع: دراسة ميدانية في مدينة بغداد”. وقد شهدت الجلسة حضور عدد من أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين في مجالات علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والإدارة والاقتصاد، الذين أثروا المناقشة بتعليقاتهم وأسئلتهم البنَّاءة، في أجواء أكاديمية تفاعلية هدفت إلى استعراض أهم نتائج الدراسة وإبراز أهميتها في فهم التحولات المجتمعية التي أحدثها انتشار منطق السوق وتغلغل آليات التسليع في مختلف جوانب الحياة.
الأهداف:
انطلقت الدراسة بالأساس من محاولة تحديد مفهوم “التسليع” في ضوء الاقتصاد المعاصر، وتتبُّع آثار هذا المفهوم على البنى الاجتماعية، حيث هدفت إلى تشخيص الأبعاد الرئيسية للمخاطر الاجتماعية التي أفرزها عصر التسليع، واستكشاف دور اقتصاد السوق الحر كنظام بنيوي يشكل الأساس النظري للتشيؤ وفق منظور مدرسة فرانكفورت النقدية. كما أولت الدراسة اهتماماً بتطبيق مناهج التفكير النقدي لمدرسة فرانكفورت لبيان كيفية تحويل العلاقات والقيم الإنسانية إلى سلعة، إلى جانب مناقشة رؤى أولريش بيك وأنتوني غيدنز حول “مجتمع المخاطر” وعلاقاتهم بين التحديث والتوترات الاجتماعية. وقد صاغ الباحث سؤالَه الرئيس الذي يربط بين المتغير التابع “المخاطر الاجتماعية” والمتغير المستقل “عصر التسليع”، مدعوماً بعدة أسئلة فرعية تهدف إلى تفكيك الظاهرة وتحليل آليات اشتغالها في الواقع الميداني.
النتائج:
أظهرت معالجة البيانات وتحليلها إحصائياً من خلال برنامج SPSS، أن غالبية أفراد العينة (90%) يرون أن آليات السوق الجديدة تُشكّل إطاراً تحفيزياً لصناعة احتياجات ورغبات جديدة في المجتمع، بما يعكس مفهوماً جديداً للتسليع لا يواجه رفضاً يذكر. وفي السياق نفسه، عبر 91.3% من المشاركين عن أن ضعف “العقل النقدي” الناتج عن إهمال دراسة الفلسفة والعلوم الاجتماعية يساهم بصورة مباشرة في زيادة استهلاك المنتجات دون وعي حقيقي بقيمتها الحقيقية. وعلى صعيد القيم الثقافية، أكد أكثر من نصف المبحوثين أن تصاميم الموضة الحديثة لا تراعي تطلعات الجنسين ولا تحترم كيانهما، حيث بلغت نسبة الرفض التام لهذه الفقرة 52%. وقد لوحظ أيضاً أن 84% من الشباب المشاركين يشعرون بقلق اجتماعي متزايد بسبب وتيرة التحديث المستمرة والضغوط المفروضة على هويتهم، مقابل نسبة رفض لم تتجاوز 4%. أما فيما يتعلق بجوانب الاتجار بجسد الإنسان، فقد اعتقد 58.7% من المبحوثين أن هذا الاتجاه سيشهد زيادة متسقة مع منطق التسليع الذي يرى في الجسد سلعة ثمينة، في حين بقي 24% في منطقة الحياد، ونسب رفض قاربت 4.7%.
التوصيات:
انطلاقاً من هذه النتائج، توصي الدراسة بضرورة تعزيز المناهج التعليمية في المدارس والجامعات لتعميق مفاهيم الفكر النقدي وتعريف الطلبة بمدارس النقد الاجتماعي، لا سيما مدرسة فرانكفورت، وذلك للحدّ من التأثر غير الواعي بمنطق السوق. ويُستحسن أيضاً أن تعمد المؤسسات الثقافية والإعلامية إلى إطلاق حملات توعية تبرز الفرق بين الحاجة الحقيقية والتسويق القائم على إثارة الرغبة الاستهلاكية، مع التركيز على تنمية الحسّ الفلسفي لدى الشباب عبر توفير ورش عمل ومحاضرات مفتوحة حول قضايا الأخلاق الاقتصادية والمخاطر الاجتماعية لمجتمع التسليع. كما يُنصح بوضع أطر تشريعية تنظم سوق العمل والعقود الإعلانية لمنع استغلال جسد الإنسان كسلعة، وتفعيل دور مؤسسات حقوق الإنسان في متابعة حالات الاتجار والتهديدات الاجتماعية الناجمة عنها.