ناقشَ قسمُ التاريخِ في كليةِ الآدابِ جامعةِ بغدادَ أطروحةَ الدكتوراهِ الموسومةَ (الدولةُ الفاطميةُ في مؤلفاتِ عبدِ المنعمِ ماجدٍ. دراسةٌ تحليليةٌ نقديةٌ) للطالبةِ علاهنَّ راشدِ منيتٍ، والتي أُجيزتْ بتقديرِ جيدٍ جداً عالٍ.
الهدفُ من الدراسةِ:
إنَّ الدافعَ إلى هذه الدراسةِ يمكنُ فيما يلي:
أنَّ الدولةَ الفاطميةَ هي الدولةُ الوحيدةُ بين دولِ الخلافةِ التي اتخذتْ من المذهبِ الشيعيِّ الإسماعيليِّ مذهباً رسمياً لها، وكان لحركةِ الدعوةِ الإسماعيليةِ وبراعةِ دعاتِها الدورُ في قيامِ إعلانِ الدولةِ الفاطميةِ وفي امتدادِ حكمِهم الزمنيِّ لقيامِ دولتِهم منذُ إعلانِ خلافتِهم في بلادِ المغربِ سنةَ (297 هـ/ 909 م) حتى سقوطِها سنةَ (567 هـ/ 1171 م)، والتي دامَتْ مدتُها قرابةَ قرنينِ ونصفِ حكمٍ، حكمَ خلالَها أربعةَ عشرَ خليفةً، والمكتبةُ العراقيةُ والعربيةُ لازالتْ بحاجةٍ إلى المزيدِ من هذه الدراساتِ وينبغي الإكثارُ منها.
وعملتِ الخلافةُ الفاطميةُ على اتساعِ نفوذِ الدولةِ الفاطميةِ فشملتْ أقاليمَ ومناطقَ واسعةً في شمالِ أفريقيا والمشرقِ العربيِّ والوسيطِ، فامتدَّ نفوذُها على طولِ ساحلِ البحرِ المتوسطِ من بلادِ المغربِ إلى مصرَ، وضمتْ إلى ممتلكاتِها جزيرةَ صقليةَ والشامَ والحجازَ واليمنَ، وكان لها دورُها الكبيرُ في التاريخِ السياسيِّ والحضاريِّ لمصرَ التي أصبحتْ حاضرةَ الخلافةِ الإسلاميةِ، لذلك برزَ عددٌ من المؤرخينَ المحدثينَ الذين كان لهم سبقُ الريادةِ في الكتابةِ لتاريخِ الدولةِ الفاطميةِ ومنهم المؤرخُ المصريُّ عبدُ المنعمِ ماجدٍ.
ولعلَّ أهمَّ ما وقفتْ عليه الدراسةُ في بيانِ فرضيتِها هو الفكرُ الذي اعتمدَهُ عبدُ المنعمِ ماجدٍ وإلى أيِّ مدى أثَّرتِ الدراسةُ التخصصيةُ على منهجيةِ عبدِ المنعمِ وطبيعةِ اهتمامِهِ بالتاريخِ الفاطميِّ والتخصصِ فيهِ وسببِ تميزِهِ عن غيرِهِ في هذا المجالِ، وبيانُ تأثيرِ المدرسةِ الاستشراقيةِ في عرضِ مادَّتِهِ العلميةِ، والنزعةُ القوميةُ.
ويُعدُّ عبدُ المنعمِ ماجدٍ من أوائلِ الباحثينَ والمؤرخينَ المحدثينَ الذين كان لهم دورٌ في الكتابةِ في تاريخِ الدولةِ الفاطميةِ.
وكشفتِ الدراسةُ عن الدورِ الكبيرِ الذي لعبتْهُ حركةُ الدعوةِ الإسماعيليةِ في قيامِ الدولةِ الفاطميةِ، كما اتسمتِ السياسةُ الداخليةُ للفاطميينَ بالتسامحِ في فترةٍ قصيرةٍ مع أهلِ المذاهبِ والأديانِ الأُخرى.
وتمتعتْ مصرُ في عهدِ الدولةِ الفاطميةِ بتطورٍ إداريٍّ واقتصاديٍّ واجتماعيٍّ وعمرانيٍّ كثيرٍ لم تشهدْهُ في عصورٍ أُخرى، في حينِ سارتِ الدعوةُ (حركةُ الدعوةِ) والدبلوماسيةُ والقوةُ العسكريةُ جنباً إلى جنبٍ في سياسةِ الدولةِ الفاطميةِ الخارجيةِ، وقد كانتْ أسبابٌ داخليةٌ وخارجيةٌ قد شاركتْ في سقوطِ الدولةِ الفاطميةِ وأهمُّها اعتمادُ الخلفاءِ الفاطميينَ على الوزراءِ والذين احتدمَ الصراعُ بينَهم والمصالحُ الشخصيةُ التي تغلبتْ على مصالحِ الدولةِ الفاطميةِ، فضلاً عن ظهورِ قوىً على الساحةِ الإسلاميةِ معاديةً ومعارضةً للدولةِ الفاطميةِ سياسياً وعقائدياً متمثلةً بالسلاجقةِ وشخصِ (صلاحِ الدينِ الأيوبيِّ) وتهديدٍ من قوىً أُخرى متمثلةً بالصليبيينَ.
أما أهمُّ الاستنتاجاتِ فهي:
* أنَّ عبدَ المنعمِ ماجدٍ يُعدُّ أحدَ أبرزِ المؤرخينَ الروادِ الذين كوَّنوا نواةَ المدرسةِ المصريةِ الحديثةِ في الكتابةِ التاريخيةِ، فتخرجَ من تحتِ يدِهِ العشراتُ من الباحثينَ والمؤرخينَ والأساتذةِ بين جامعاتِ مصرَ.
* تعددُ وتنوعُ النتاجِ العلميِّ الذي خلفَهُ المؤرخُ عبدُ المنعمِ ماجدٍ والذي أغنى بها المكتبةَ العربيةَ التاريخيةَ ما بين تأليفٍ وتحقيقٍ وترجمةٍ ورحلاتٍ، فضلاً عن العشراتِ من البحوثِ والمقالاتِ والمشاركاتِ العلميةِ والأكاديميةِ ونتاجُهُ هذا لم يتوقفْ طيلةَ سنيِّ عمرِهِ، حتى بلغتْ كتبُهُ المؤلفةُ عشرينَ كتاباً، وكتابينِ ترجمَها وراجعَها وقدمَها، وبلغتْ بحوثُهُ أربعينَ بحثاً ومقالاتُهُ ستةً وعشرينَ مقالاً باللغةِ العربيةِ وحوالي تسعِ مقالاتٍ باللغةِ الفرنسيةِ.
* تمتعتْ مصرُ في العصرِ الفاطميِّ بتطوراتٍ وإصلاحاتٍ لم تحدثْ لها من قبلُ ولا بعدَ عصرِهم، سياسيةً وإداريةً واجتماعيةً واقتصاديةً وثقافيةً ومعماريةً مازالتْ آثارُها شاخصةً إلى الآنِ.
* من خلالِ ما كتبَهُ عبدُ المنعمِ ماجدٍ في مؤلفاتِهِ عن الدولةِ الفاطميةِ اتضحَ لنا بصورةٍ عامةٍ أنَّ الفاطميينَ أسسوا دولةً متراميةَ الأطرافِ وحضارةً عريقةً وجعلوا من مصرَ أنْ تأخذَ دورَها التاريخيَّ عبرَ حقبةٍ زمنيةٍ تجاوزتِ القرنينِ من الزمنِ ولازالتْ آثارُها باقيةً حتى يومِنا هذا.

Comments are disabled.